سيدي الحاج المدني الناصري الافراني 3

الناصري محمد29 يوليو 2019آخر تحديث :

قال فيه سيدي علي بن الحبيب في تعطيرالطروس: ومنهم الولي الأشهر، الصالح الأكبر، سيدي المدني الناصري الجعفري، دفين (تانكرت) بإفران توفي عام ستة وثلاثمائة وألف، و عليه قبة حافلة، كان رحمه الله صاحب دعوات مستجابة، وحكايات مستطابة، كان لسانه رحمه الله رطبا بذكر الله، و الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، يؤكد العباد على الحزم في دينهم، و اليقين في شؤونهم الدنيوية و الدينية، و يحب الخير لهم، يجل العلماء والشرفاء ويؤدي لهم حقهم، و يرفع منازلهم، شيء غريب، محسنا لهم، سخيا جدا، محظوظا أينما توجه يلقى الخير، محبوبا عند الخاصة و العامة، مقبولا لا ترد شفاعته بين الناس، ساعدته المسرات، أرزاقه واسعة، و نفقاته كاملة نافعة، لا تطيب له الأوقات إلا مع أهل العلم و الخير، يجتمع لله عند ذلك، و لا يبالي بما وراءه، و الناس في حياته ما بين صادر ووارد لديه، وقد خلف أولادا أورثهم العلم و الخير، و جلسوا على منصة العلم، ودرسوه، و ما مات من ورث العلم لأولاده).

والآن بعد ما سقنا ما قاله من قبلنا نقول نحن، أنني كنت كتبت عنه ما يلي:
كان والده تركه صغيرا كما حفظ القران بورش وقراءة المكي، فأراد أن يتعرف بأعمامه، فقصد (أقا) فزار عمه الحنفي بن علي بن يوسف، ثم ألم بعمه الآخر سيدي القرشي وهو شيخ مسن هرم كان ينتظر من يقوم امامه وياخذ بيده و يترك بنته الوحيدة في يده، فكان ذلك هو السبب، حتى وقع بينهما ما تقدم، ثم بعد أن زوجه بنته توفي العم بعد أسبوع.
و هذا وقع نحو 1270هـ. وقد كان سيدي المدني ينوي أن يشتغل بأخذ العلوم، و لكنه وقع له ما تقدم، فتسبب عن ذلك أنه لم يزل حريصا على الأخذ طوال حياته، إلى أن كان عالما من العلماء.
ثم أن سيدي المدني لم يزل شأنه يعلو و أخلاقه ودينه و كرمه تفسح له في صدور الناس، حتى نال مقاما عظيما، وقد اعتاد منذ أن ملك أمر نفسه أن يجلب إليه العلماء.

فهم جلاسه و أهل موكبه، أينما حل و سار، فنفعوه في معلوماته، حتى استحضر من مسائل العلوم مالا يجهله مثله من المتصدرين في المجالس، وقد كان من هؤلاء الذين يلازمونه الفقيه سيدي ييدر بن الحاج أحمد المتخرج بسيدي العربي الأدوزي، وقد توفي سيدي ييدر قبل 1320هـ. و قد كان يشارط أحيانا في المساجد، و قد شارط سنة 1306هـ في مسجد (ايزروالن).فقد بكر إلى (تانكرت) منه، فإذا بسيدي المدني توفي فأخبر سيدي ييدر أنه رأى سيدي المدني في المنام، فأخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بأنه سيقدم على الله، فلذلك بادر بالمجيء، فصادف موته، و أحمد بن ييدر أخذ عن سيدي الحسين بيبيس، و قد عمر إلى أن مات آخر هذه السنة 1378هـ و أصل آل ييدر من (إدا وشقرا) ودارهم في قرية (السوق).

ومن الملازمين لسيدي المدني الفقيه سيدي الحسين بن لحسن التعرابتي المتخرج بسيدي محمد بن ابراهيم التامانارتي، توفي 1344 هـ. وولده محمد ابن الحسين من الآخذين من المدرسة (الإلغية) وهو على شرطنا في هذا الفصل لكننا لم نجد لهما عندنا الآن ترجمة، توفي قبل ابيه نحو 1327هـ. و منهم الفقيه سيدي عبد الرحمن التادرارتي البعمراني (المذكور بين أهله في هذا الجزء نفسه. ومنهم الفقيه سيدي محمد- فتحا- بن المحفوظ التازيمامتي- وقد ذكر في محل آخر- و منهم الفقيه الحسين بن الحسن أوباكي، جاره، كان يلازمه و ينسخ له، و قد تخرج بابن المحفوظ المذكور، و بمحمد بن ابراهيم التامانارتي، توفي في (البيضاء) بعد 1360هـ .
و قد كان حينا في (حاحة) ما شاء الله. فعن هؤلاء أخذ العربية و السيرة و التفسير.


و قد كان معنيا بسيرة الكلاعي و بشرح الشفاء للجشتيمي المختصر من (نسيم الرياض) للخفاجي، و قد كان مجلسه مجلس علم ومذاكرة، و الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، يجمع لها الناس، خصوصا في الليالي المباركة، و من عاداته أن يسيح في القبائل على عادة الناصريين، ليرشد الناس، و ليصلح بينهم، و ليهدئ من خصوماتهم، بل لا يكاد يسمع بحرب حتى يطير إليها فيسعى في الصلح، ولكونه مهيبا مطاعا يقع النجاح بسعيه، وقد كانت له مكانة في القلوب، وحسن ظن من جميع الطبقات، وكان في نفسه عالى الهمة عابدا ناسكا متواضعا، حسن المعاشرة، تؤثر عنه نوادر مع جلاسه و من نوادره أنه كان يأكل مرة في داره مع أصحابه كسكسو فوقه دجاجة، فصار يقتطع من الدجاجة وحده و يأكل، و لم يطعم منها جلاسه، فقال له أحدهم ما هذا؟ فقال له أو ليس أن الدار داري و الطعام طعامي، فقيل له بلى، فقال إنني حللت لكم الدخول إلى داري، و لم أحل لكم أكل دجاجتي هذه، أو لم يكفكم أنها جعلت لكم المرق في الخضرة و جعلت للكسكسو حلاوة- فعل ذلك تندرا- ولم يزل في جميع قبائل الجنوب السوسي مسموع الكلمة متبوعا موقرا مبجلا.

وحين نزل الملك مولاي الحسن في (وادي نون) زاره فأركبه على رمكة، و خلع عليه حلة بيضاء، وأخرج إليه ظهير التوقير، ثم زار (مراكش) إثر ذلك مع سيدي محمد بن الحسين التازروالتي، فتشرفا بالمثول بين يدي الملك، فرحب بهما، فأقاما بالمدينة ستة أشهر، أمضاها سيدي المدني في الأمداح النبوية، و في معاطاة العلم، وبعد رجوعه أصيب بمرض السكري، لأنه كان يكثر في الأتاي، فكان سبب وفاته.
وقد كان مع ذلك المرض يكب على دارسة الكتب، فقد كان سيدي الطاهر بن محمد المشهور، و سيدي العربي الساموكني، ظهرا إذ ذاك، فكان يرسل إليهما ليلا، فيتلوان عليه من كتب التفسير أو الحديث، إلى أن يطلع النهار.


و قد سمعت من شيخنا سيدي الطاهر ما يدل على أنه كان يعتني به كثيرا إذ ذاك، كما أن الشيخ الإلغي كثيرا ما يذكره و يصفه للفقراء، و يقول إنه قطب وقته، وقد كان ممن يحضر مجالسه للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليالي الجمعات، وهو إذ ذاك في المدرسة (التانكرتية) (1286هـ1289هـ) وأحسب أنه هو الذي تلقن منه الطريقة الناصرية في مبدأ أمره. وقد كان يعاني الأسباب و الكسب، فيحرث في معدر (إدا ولكان) و في المعادر غيره، وله غنم، و لكنه لكرمه كثيرا ما يأتي عليها للضيافة، و من عادته أن يخرج إلى القبائل في وقتي الصيف و الخريف للإرشاد، وكان يألف كثيرا رياسة مشاهد (إداولتيت) فلا يفلت مشهدا، وموكبه لا يقل عن نحو أربعين طالبا يقرأون الحزب، و يقومون بالصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم. وهي ذكره الدائم قياما و قعودا في الجماعات، فإذا خلا وحده يتهجد.
و من مواقفه المشهورة في إطفاء النائرات إعلانه للسلم بين أهل (مريبض) و أهل (تامانارت) بعد ما دقوا بينهم عطر منشم سبع سنين، وكذلك إفراجه عن سيدي الحسين بن هاشم بعد ما حوصر في (إيليغ) بالقبائل في القضية المشهورة التي ذكرناها في غير هذا المحل سنة 1302هـ.

وكذلك هو الذي سعى عند الملك مولاي الحسن حتى أعرض عن سيدي الحسين ابن هاشم بعد ما فر منه هذا سنة 1299هـ. إلى الجبال، و إن علمنا أن مولاي الحسن أرسل إليه الأمان على يد الأستاذ محمد بن العربي الأدوزي- كما يوجد في إحدى الرسائل الرسمية التي ذكرناها في ترجمة هذا الأدوزي في (الجزء الخامس) وهو الذي أطفأ أيضا نار الحرب بين الإيغشانيين و السملاليين وهو الذي سعى في الصلح بين المجاطيين يوم حاصروا قرية (إد بوالخد) من أيت همان، فطمع المحاصرون للقرية أن يتم الماء في نطفيات أهل القرية، و لكن الله سقاهم غدقا، فأذعنوا للصلح مرغمين، وهو الذي وقف حتى بنيت مدرسة (تاجاجت) وله من أمثال هذه المواقف عشرات، و قد حبس مكتبته التي جمعها على الطلبة من أولاده.

فكمل الله له نيته فيهم، فكانوا زينة جيلهم في العلوم، ومما يتعلق بالمترجم أنه مذكور في قصيدة لسيدي الحاج أحمد الجشتيمي ذكر فيها من صادفهم في (إيليغ) في عهد الرئيس سيدي الحسين، و نص القصيدة الذي ذكر فيها سيدي الحسين، ومحمد بن العربي الأدوزي وسيدي المدني:
نجل ابن موسى القطب في أقطارنا *** بدر الهدى الأسنى وبحر الجود
وقرارة الأنوار والأســــــــرار من *** آل ابن ناصر الهداة الــــــــصيد

وقد أجمعت القبائل على خدمة داره كما هو العادة إذ ذاك منهم لأمثاله، فجعلوا لها شيئا مخصوصا من محصولاتهم من قبائل بعمرانة و الأخصاص ومجاط واد ابراهيم وادا ولتيت و أيت وفقا و مريبض و أيت جرار. وقبائل تكنة صاع لكل دار، وذلك كله يذهب في كرمه الجم، و هذا هو السبب حتى أقامت هذه القبائل موسما عاما تجاريا على مشهده، بعد بناء قبة عليه، بعد وفاته. أدركه أجله رضى الله عنه سنة 1306هـ. وقد غسله العلامة أبو الحسن الإلغي ثم صلى عليه سيدي محمد بن المحفوظ التازيمامتي السملالي فيما قيل لي، و قيل سيدي محمد بن مولود التاغاجيجتي. ولم تبن عليه القبة إلا سنة 1347هـ. وقد كان بنى عليه بيت أثر وفاته أولا. و لسيدي المدني مع الإلغيين اتصال يزورونه و يزورهم، و قد كان الأستاذ سيدي محمد بن عبد الله مؤسس المدرسة، ذهب به إلى مدرسته يوم أسسها، فبارك فيها، ودعا بعمارتها، وكذلك كان للشيخ الإلغي اتصال دائم بسيدي المدني. يؤمه هو و طائفته للزيارة. و من هنا بذرت بذور الاتصال بين أولادهم إلى الآن، ثم أدى ذلك إلى المصاهرة، زيادة عن الأخذ في ميادين المعارف.

و مما يتعلق بالمترجم سيدي المدني ما قاله أبو الحسن الإلغي أمام قبره مع ما ذيله به سيدي الطاهر بن محمد: – المتقارب –
عهدتك تفرح بالزائرين * وتهتز شوقا للقياهم
وتمنحهم كل ما يشتهو * ن من خير دين ودنياهم
كذاك حسبتك بعد المما *ت فموت الكرام كمحياهم
ثم قال سيدي الطاهر: – المتقارب –
فلازالت غوثا إذا مادعا * به الناس في المحل لباهم
ولا زال بابك للزائر ين * محــــــط رحال مطاياهم
ولا زلت إن سارع الناس للـ*منازل في الخلد أعلاهم
وإن لبسوا من لباس الرضا *فأنت لدى الله أرضاهم
عليك ســـــــــلام أود الأنا *م فيك جميعا وأوفاهم .

انتهى 

 عن المعسول – نقله محمد المكي بن ناصر لطف الله به في الدارين

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!