شروط الملائكة لاعتبار قصيدة ما بداية لحركة شعر حر .

الناصري محمد29 يوليو 2019آخر تحديث :
شروط الملائكة لاعتبار قصيدة ما بداية لحركة شعر حر .

عرفت الأوساط الأدبية في منتصف القرن العشرين (الشعر الحر) واختُلفَ فيمن كانت له الأسبقية في اكتشافه .
يقول بدر شاكر السياب في مقدمة ديوانه ( أساطير ) ان أول تجربة لهُ من هذا القبيل كانت في قصيدة ( هل كان حباً ) من ديوان —- أزهار ذابلة – و قد صادف هذا النوع من الموسيقى قبولاً عند كثير من الشعراء الشباب يذكر منهم الشاعرة نازك الملائكة .
 تقول نازك الملائكة في كتابها ( قضايا الشعر المعاصر ) : إن ” بداية حركة الشعر الحر سنة 1947 م في العراق ، بل من بغداد .. وكانت أول قصيدة حرة الوزن تنشر هي قصيدتي ( الكوليرا ) وقد نشرت في بيروت ، و وصلت نسخها في بغداد في أول كانون الأول 1947، و في النصف الثاني من الشهر نفسه صدر في بغداد ديوان بدر شاكر السياب ( أزهار ذابلة ) و فيه قصيدة حرة الوزن له من الرمل )
و قالت أن سبب اكتشافها للشعر الحر :  ( وكنتُ قد كتبتُ تلك القصيدة ، أصور بها مشاعري نحو مصر الشقيقة خلال وباء ( الكوليرا )  الذي داهمها ، و قد حاولتُ فيها التعبير عن وقع أرجل الخيل التي تجر عربات الموتى من ضحايا الوباء في ريف مصر ، و قد ساقتني ضرورة التعبير إلى اكتشاف الشعر الحر ) وهنا نلاحظ أن كلاً من بدر و نازك يدعي الأسبقية ، إلا أن بدر السياب لم يدَّع اكتشاف الشعر و إن كان يدّعي الأسبقية على نازك ، بينما نازك تدّعي الأسبقية والاكتشاف معاً .غير ان نازك الملائكة تتفاجأ بوجود قصائد حرة مؤرَّخة قبل تأريخ أول قصيدة حرة لها .
تقول  : ( في عام 1962م صدر كتابي ( قضايا الشعر المعاصر ) وفيه حكمت أن الشعر الحر قد طلع من العراق ومنه زحف إلى أقطار الوطن العربي . ولم أكن يوم أقررت هذا الحكم أدري أن هناك شعراً حراً قد نُظمَ في العالم العربي قبل سنة نظمي لقصيدة ( الكوليرا ) . ثمّ فوجئت بعد ذلك أن هناك قصائد حرة معدودة قد ظهرت في المجلات الأدبية و الكتب منذ سنة 1932 م ، وهو أمر عرفته من كتابات الباحثين والمعلقين لأني لم أقرأ بعد تلك القصائد في مصادرها …. ) إلى أن تقول : ( ثمّ عثرتُ أنا نفسي على قصيدة حرة منشورة قبل قصيدتي وقصيدة بدر السياب للشاعر بديع حقي )  
وتورد في الكتاب مقطع من القصيدة . ثمَّ تقول :
(  إن الباحث الدكتور أحمد مطلوب قد أورد في كتابه ( النقد الأدبي الحديث في العراق ) قصيدة من الشعر الحر عنوانها ( بعد موتي ) نشرتها جريدة العراق تحت عنوان ( النظم الطليق ) وفي تلك النسة المبكرة من تاريخ الشعر الحر لم يجرؤ الشاعر على إعلان اسمه و إنما وقَّع ( ب . ن ) ) انتهى كلام نازك الملائكة . ثمَّ تقتبس مقطعاً وتورده من تلك القصيدة  . و لو لاحظنا أنَّ القصيدة نشرت على أنها نظم طليق و الدلالة الفظية لكلمة طليق هي دلالة لفظية لكلمة حر. وترجّح نازك الملائكة أنه أقدم نص من الشعر الحر ، وطرحت سؤالاً . ” هل نستطيع أن نحكم بأن حركة الشعر بدأت في العراق سنة 1921 م ؟ أو أنها بدأت في مصر سنة 1932 م ؟
وتجيب : ” الواقع أننا لا نستطيع ، فالذي يبدو لي أن هناك أربعة شروط ينبغي أن تتوافر لكي نعتبر قصيدة ما هي بداية هذه الحركة ” وتقصد حركة الشعر الحر .
# شروط الملائكة لاعتبار قصيدة ما أو قصائد هي بداية حركة لشعر حر .
1 – أن يكون ناظم القصيدة واعياً أنه قد استحدث بقصيدته أسلوباً وزنياً جديداً سيكون مثيراً أشد الإثارة حين يظهر للجمهور .
2 – أن يقدم الشاعر قصيدته تلك أو ( قصائده ) مصحوبة بدعوة إلى الشعراء يدعوهم فيها إلى استعمال هذا اللون في جرأة وثقة ، شارحاً الأساس العروضي لما يدعو إليه .
3 – أن تستتثير دعوته صدى بعيداً لدى النقاد و القراء فيضجون فوراً – سواءً أكان ذلك ضجيج إعجاب أم استنكار – و يكتبون مقالات كثيرة بشأنه .
4 – أن يستجيب الشعراء للدعوة ويبدأوا فوراً باستعمال اللون الجديد ، وتكون الاستجابة على نطاق واسع يشمل العالم العربي كله .
وهي بهذا تُعلل أن القصائد التي ظهرت قبل بداية عام 1947 م لا تعتبر بداية حركة لأنها لا تحقق أياً من هذه الشروط .
# قصيدة الكوليرا ليست شعراً حراً .
يعتبر الدكتور السيد مصطفى جمال الدين أن قصيدة الكوليرا لنازك الملائكة ليست شعراً حراً بالمعنى الذي نعرفه اليوم ، و إنما هي موشحة ذات أدوار أربعة و للتفاصيل حول هذا الموضوع راجع كتاب السيد جمال الدين في كتابه ( الإيقاع في الشعر العربي من البيت إلى التفعيلة) .
# الشعر الحر و البند .
تقول نازك الملائكة إن أعظم إرهاص للشعر الحر هو مايعرف بالبند ، بل تعتبر أن البند نفسه هو شعر حر لثلاثة أسباب .
1 – لأنه شعر تفعيلة لا شعر شطر .
2- لأن الأشطر فيه غير متساوية
3- لأن القافية فيه غير موحدة .
و البند : هو شعر يقوم إيقاعه على أساس التفعيلة الواحدة المتكررة بحرية تامة ، ولم يستخدم فيه إلا بحرين ، بحر الرمل بتفعيلته ( فاعلاتن ) و بحر الهزج بتفعيلته ( مفاعيلن ) و أحيانا يتم الخلط بين البحرين في بند واحد لمكان التشابه بين تفعيلتيهما ، فإن ( مفاعيلن ) تتألف من وتد وسببين و لو قُدّم السبب الأخير لصارت ( لن مفاعي ) المساوية لـ ( فاعلاتن ) . إلا أن البند يُكتب كما يُكتب النثر تماماً بتكرار ( فاعلاتن ) او ( مفاعيلن ) على طول السطر يليه سطر آخر … وهكذا …
و يشير مصطفى جمال الدين بأنه لايعرف بالضبط متى نشأ البند في الأدب العراقي ، ويقول :
” لعلَّ أقدم ماوصل إلينا هي بنود شهاب الدين الموسوي المعروف ( بابن معتوق الحويزي ) المتوفى عام 1087 هـ ”
ولقراءة نماج من البند ومعرفة تفاصيل أكثر عنه راجع
قضايا الشعر المعاصر لـ نازك الملائكة و الإيقاع في الشعر العربي … لمصطفى جمال الدين .
# نازك لم تقرأ البند قبل نشرها لقصيدة الكوليرا .
تقول نازك أنها نظمت الشعر الحر لأول مرة عام 1947 م وكانت تعرف ( البند ) اسماً فقط لأنها لم تقرأ بنداً قبل عام 1953 م و تبرر أن البند لم يرد في الكتب التي كانت مقررات للدراسة الأكاديمية و لا أشار إليه أي كتاب قرأته .
وتقول أن أغلب شعراء خارج العراق لم يسمعوا بالبند إلا بعد صدور كتابها قضايا الشعر المعاصر ، رغم صدور كتاب ( البند في الأدب العربي ، تاريخه ونصوصه ) لـ عبدالكريم الدجيلي عام 1959 م أي بعد نشر نازك والسياب لأول قصائدهم الحرة باثنتي عشر سنة وتم تداول كتاب الدجيلي في حدود العراق فقط ولم يحظَ بالانتشار الواسع .
وتشير نازك أنها قرأت البند عام 1953 م أي بعد نظمها لأول قصيدة حرة عام 1947 م ،
كما تستبعد أيضاً أن يكون بدر شاكر السياب قد قرأ البند في عام 1946 م ، حيثُ أنه خريج قسم اللغة الإنجليزية . و حيثُ تصف نفسها بأنها على قوة معرفة بالتراث العربي و لم تعرف البند قبل عام 1953م أي بعد نظمها لأول قصيدة حرة بست سنوات .
وتؤكدعلى ذلك بأن الكتاب الوحيد المطبوع عن البند هو كتاب الدجيلي عام 1959 م .
وبهذا تنفي نازك الملائكة أن يكون الشعر الحر وليداً للبند .وإن كان بينهما الشبه الكبير .
# الشعر الحر و التسمية .
مع ظهور هذا الوليد الشعري الجديد أطلقت نازك تسميتها عليه فسمته ( الشعر الحر )
ثم جاءت تسميات عديدة منها
( الشعر المنطلق )، ( حركة الشعر الجديد ) و ( حركة الشعر الحديث )
فيأتي الشاعر صلاح عبد الصبور عام 1961 م و يعلن ارتيابه من لعبة التسميه فيقول :
” كثيراً مايكون الاسم ظالماً لمسمّاه ، أو ملقياً عليه ظلالاً من الشبهات و خاصة إذا كان هذا الاسم وصفاً ، لأن الصفة تستدعي نقيضها ، كما يستدعي البياض ذكر السواد . وعنئذٍ تلتمع المقارنة ولا ينال الاسم رضا سامعيه إلا إذا اتضحت المناقضة أيما اتضاح و ثبتت أشكالها و ألوانها )
وبهذا راح صلاح عبد الصبور يدعو إلى تعديل مصطلح الحديث منادياً :
( حبذا لو أسعفنا ناقد بكلمة أخرى )
وفي عام 1962 جاء عز الدين الأمين من السودان مستجيباً لنداء عبد الصبور ويسمي هذا الكائن الشعري بـ ( شعر التفعيلة ) . وهكذا جاء الاسم مطابقاً للمسمى .
# شعر التفعيلة و الأساس العروضي .
لا يختلف شعر التفعيلة في بحوره عن البحور التي اكتشفها الخليل ، لكنما الجديد فيه هو هو تصرفه في عدد التفعيلات في هذه الأبحر ، و توزيعه الموسيقي .
و الأساس فيه يقوم على وحدة التفعيلة .
بحيث لو تم إنشاء قصيدة من بحر الرمل فسيجري تكرار التفعيلة ( فاعلاتن ) في الأشطر و لايلتزم الشاعر بعدد معين في كل شطر .
و البحور التي تلائم شعر التفعيلة هي البحور الصافية و التي يتألف شطراها من تكرار تفعيلة واحدة
مثل : الكامل ، الرمل ، الهزج ، الرجز ،و المتقارب و المتدارك بالإضافة إلى مجزوء الوافر .
و كذلك نوعين البحور الممزوجة مثل الوافر و السريع .
أما بالنسبة لبقية البحور مثل الطويل والبسيط و المنسرح والخفيف …. فإنها غير ملائمة لشعر التفعيلة وإن كانت هناك محاولات من شعراء بارزين في كتابة شعر تفعيلة من هذه الأبحر الممزوجة إلا أنها لم تحظَ بالنجاح ، و مما يدل على ذلك أنها محاولات نادرة جداً.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!