الصين قوة اقتصادية صاعدة

الناصري محمد29 يوليو 2019آخر تحديث :
الصين قوة اقتصادية صاعدة

تقديم وطرح اشكالي:
تشكل التجربة الصينية نموذجا حيا للقوى الاقتصادية الصاعدة في العالم حيث تمكنت من تحقيق تقدم كبير في العديد من المجالات، مما جعلها تنافس القوى الاقتصادية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، لكنها لازالت تعاني من تزايد حدة التفاوتات المجالية والاجتماعية بين الداخل والساحل. فما مظاهر النمو الاقتصادي للصين؟ وما العوامل المفسرة له؟ وما المشاكل والتحديات التي تواجه الاقتصاد الصيني؟.
I- تجليات نمو الاقتصاد الصيني وبعض خصائصه:
1- خصائص تطور القطاعين الفلاحي والصناعي بالصين ومكانتهما العالمية:
1-1: مظاهر نمو الفلاحة الصينية وبعض خصائصها:
يتميز الانتاج الفلاحي بالتنوع والضخامة، وتحقيقه للاكتفاء الذاتي في أغلب المنتجات، وتوجيه بعضها نحو التصدير كالشاي والحرير الطبيعي، ومن خصائصه:
* احتلال الصين المراتب الاولى عالميا في عدة منتجات (مابين المرتبة الاولى والسادسة).
* تركز أغلب المنتجات الفلاحية في الجنوب الشرقي من البلاد.
* أهمية انتاج واستهلاك الأرز الذي يشغل مساحة شاسعة وينتشر زراعة باقي أنواع الحبوب خاصة القمح في منشوريا.
*تربى الماشية غرب البلاد في هضبة التبت وفي المناطق الجبلية، وتتوفر البلاد على قطاع متنوع من الأبقار والخنازير والأغنام تحتل بها مراتب متقدمة عالميا: المرتبة الاول في انتاج الأغنام والخنازيرو الصيد البحري، والمرتبة الثالثة في انتاج الأبقار.
* تقسم البلاد إلى ثلاثة مجالات فلاحية كبرى هي:
– مجال الحبوب: في سهل منشوريا.
– مجال الأرز: في الجنوب الشرقي.
– مجال تربية الماشية: في الداخل والغرب.
1-2: مظاهر تطور الصناعة الصينية وبعض مميزاتها:
حققت الصناعة الصينية في العقود الأخيرة قفزة كمية ونوعية تجلت مظاهرها فيما يلي:
* تطور مساهمة الصناعة في الناتج الإجمالي الداخلي من 44،3% سنة 1978 إلى 52،1% سنة 2004م.
* اعتبار الصين رابع قوة اقتصادية في العالم بتقديمها 7% من الانتاج الصناعي العالمي.
*استحواذها على حصة كبيرة من الانتاج العالمي في عدة صناعات(مابين 4،9% و 70%).
* تمركز الصناعة الصينية في الجزء الشرقي من البلاد لوفرة المواد الاولية ومصادر الطاقة وكثرة اليد العاملة والمساهمة الكبرى للدولة والاستثمارات الخارجية بهذه المنطقة.
* تعدد المناطق الصناعية وظهور مناطق حديثة التصنيع خلال الثمانينات والتسعينات من القرن 20م: حيث مر التصنيع بها من ثلاث مراحل أساسية هي :
– مرحلة ما قبل 1949(ماقبل الثورة الاشتراكية):كانت الصناعة متأخرة.
– مرحلة مابين 1976-1949 (الاصلاحات والانفتاح):الاعتماد على الصناعة الثقيلة خاصة الصلب.
– مرحلة الثمانينات والتسعينات من القرن 20م: وجود صناعات متطورة.
* تطور هائل في بنية الصناعة الصينية: الانتقال من الصناعات الأساسية(الصلب والفولاذ)والاستهلاكية(النسيج- المواد الغذائية..) إلى الصناعات العالية التكنولوجيا(الالكترونية الدقيقة- النووية والفضائية -العسكرية…).
*احتلال المنتوجات الصناعية الصينية مراتب متقدمة في العالم: الأولى في إنتاج الصلب والفولاذ+ خيوط القطن والنسيج الاصطناعي+ لعب الأطفال والأحذية).
2- بعض تجليات نمو التجارة الخارجية للصين وتزايد مكانتها العالمية:
تتعامل الصين مع أغلب دول العالم خاصة اليابان وكوريا الجنوبية،باقي دول جنوب شرق آسيا،الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الأوربي.،وتتميز تجارتها الخارجية بخصائص منها:
* بنية تجارية خارجية متنوعة تتشكل صادراتها الأساسية من آلات و معدات ميكانيكية وكهربائية والكترونية بنسبة 46،2% ،مواد استهلاكية مصنعة ونصف مصنعة بنسبة 42،6%.أما وارداتها فتتكون من: مواد كيماوية بنسبة 11،8% و مواد أولية بنسبة 10،6% ومصادر الطاقة بنسبة 9،71%.
* تطور حجم وبنية الصادرات، وانعكاس ذلك على قيمة مبادلاتها الخارجية حيث انتقلت من 660،2 إلى 762،3 مليار دولار ، وعلى الميزان التجاري الذي حقق فائضا بلغ 102،1 مليار دولار سنة 2005م.
* تعدد الشركاء التجاريين للصين في مختلف قارات العالم ، وتبقى هونغ كونغ أكبر مستورد منها بنسبة 24% واليابان أكبر مصدر إليها بنسبة 23%.
II- العوامل المفسرة للنمو الاقتصادي في الصين:
1- العوامل الطبيعية والبشرية:
مؤهلات طبيعية مساعدة وأخرى معرقلة: وتتمثل فيما يلي:
* التضاريس:يغلب عليها الطابعان الجبلي والهضبي (59،4% ) كالهملايا والتبت،وتنحصر السهول وأحواض شاسعة وخصبة شرق البلاد (31،7%) كسهل منشوريا والسهل الكبير .
*الشبكة المائية غزيرة في الشمال والجنوب الشرقي بوجود أنهار كبرى مثل نهر كسيانغ + نهر يانغ زيانغ و نهر هوانغ هو.
*المناخ يسود بها المناخ المعتدل الممطر في الشمال الشرقي والمداري الممطر في الجنوب الشرقي مما يقدم مؤهلات ايجابية للنشاط الفلاحي بالصين، بينما يسود المناخ الصحراوي الجاف في الشمال، والمناخ الجبلي في الجنوب.
*لكن مع ذلك تبقى الظروف الطبيعية سلبية بالنسبة للفلاحة، فالاراضي الصالحة للزراعة لاتتعدى 10،7% من مساحة البلاد نظرا لسيادة الطابع الجبلي، وتعرض البلاد للجفاف والفيضانات.
* توفر البلاد على احتياطات مهمة من الفحم الحجري والبترول والغاز الطبيعي، وعلى كميات مهمة من المعادن كالحديد والرصاص والزنك والفوسفاط.
مؤهلات بشرية مساعدة: وتتمثل فيما يلي:
* يبلغ عدد سكان الصين في الوقت الراهن حوالي 1،3مليار نسمة أي ما يعادل 21% من سكان العالم،من بينهم حوالي 71%سكان نشيطين ،ويصل أمد الحياة إلى 72 سنة،وتتمركز الكثافة المرتفعة بالقسم الشرقي من البلاد،تقدم هذه الثروة السكانية، اليد العاملة الخبيرة والطاقات البشرية المؤهلة للأنشطة الاقتصادية الصينية، فضلا عن كونها سوقا استهلاكية كبيرة.
2- العوامل التنظيمية و التاريخية:
كان لها دور حاسم في بناء القوة الاقتصادية للصين، فقد مرت التنمية الاقتصادية والاجتماعية الصينية بمرحلتين بارزتين:
* المرحلة الأولى: وتسمى مرحلة البناء الاشتراكي بقيادة ماوتسي تونغ ، امتدت من 1949 إلى وفاته سنة 1976 ،وتميزت ب:
سياسة التأميم حيث قضت على كل أشكال علاقات الإنتاج الإقطاعية والرأسماليةوتنظيم الفلاحة بخلق تعاونيات وضيعات تابعة للدولة عرفت بالكومونات الشعبية.
سياسة التخطيط المركزيو تمثلت في إنشاء المراكز الصناعية في أنحاء مختلفة من البلاد مع إعطاء الأولوية للصناعات الأساسية والتجهيزية.
• سياسة القفزة الكبرى إلى الأمام: لتحقيق الإقلاع الاقتصادي وذلك بانجاز الأشغال الكبرى كالسدود والطرق والصناعات الأساسية اعتمادا على الموارد البشرية الوطنية.
• سياسة المشي على قدمين حيث تم التركيز على تطوير وتنمية القطاعين الأساسيين الفلاحي والصناعي .
* المرحلة الثانية: وهي مرحلة الانفتاح على اقتصاد السوق انطلقت بعد وفاة ماوتسي تونغ، طبقت في عهد دينغ كسياوبينغ منذ سنة 1978 ولا تزال مستمرة إلى الوقت الراهن، ومن أهم التطورات التي حصلت فيها:
تفكيك الكومونات الشعبية وتحويلها الى مستغلات عائلية،إنشاء مقاولات خاصةوفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية واستيراد التكنولوجيا الغربية،و تشجيع المبادلات التجارية مع الخارج بتحرير تجارة المنتجات الفلاحية، وتشجيع الصناعات الموجهة للتصديرو إحداث المناطق الاقتصادية الخاصة في السواحل الجنوبية الشرقية والانضمام إلى صندوق النقد الدولي سنة 1980 و للمنظمة العالمية للتجارة في 2001 .
3- العوامل العلمية والتقنية:
* الاعتماد على المكننة واستعمال المبيدات والبذور والأسمدة العضوية والكيماوية في الفلاحة.
*الاستفادة من نتائج البحث العلمي والتطور التكنولوجي الغربي الذي ساهم في تحديث قطاعي الفلاحة والصناعة ببرامج وخطط عصرية و آلات وتقنيات متطورة بهدف تدعيم تنافسيتهما.
* تدفق الراسمال الاجنبي لتطوير الصناعة وتحسين مستواها التكنولوجي، وتحسين مكانة الصين ضمن المبادلات التجارية في مجالي الصادرات والواردات.
III- المشاكل والتحديات التي تواجه النموالاقتصادي للصين:
المجالات أهم المشاكل والتحديات
السكانية *استمرار تزيد السكان إذ يتوقع أن يصل إلى 1،6مليار نسمة بحلول سنة 2030م ،على الرغم من نهج سياسة صارمة لتحديد النسل منذ السبعينات أدت إلى التحكم في التزايد الطبيعي، غير أنها ستسبب مستقبلا في شيخوخة المجتمع وتقلص نسبة السكان النشيطين.
الاجتماعية
و
الاقتصادية *توقع انخفاض معدل النمو الاقتصادي وتقلص نسبة الساكنة النشيطة.
* ارتباط الاقتصاد الصيني بالسوق الخارجية سواء من حيث استيراد المواد الأولية وتقلب أسعارها في السوق الدولية، أو من حيث تصدير المنتجات الصناعية والبحث المستمر عن أسواق جديدة لتصريفها.
* تزايد حدة الفقر في البوادي مما سيؤدي الى الهجرة القروية.
* تركز الثروة الاقتصادية في المدن خاصة في الجزء الشرقي من البلاد،بينما يلاحظ تفشي الفقر والامية داخل البلاد.
* تزايد معدل الدخل الفردي في الصين مما سيؤدي الى ارتفاع تكاليف الانتاج والى تراجع القدرة التنافسية للبضائع المصنعة الصينية.
* ضعف مستوى التنمية البشرية ، فالصين تصنف ضمن البلدان ذات المؤشر المتوسط ب0،768 المرتبة 81 عالميا.
* تفاوت في التنمية البشرية ما بين المدن والأرياف.
البيئية * تقلص نسبة الاراضي الصالحة للزراعة والمساحات الغابوية بسبب ارتفاع معدلات التمدين.
* إكراهات الوسط الطبيعي: كالزلازل والفيضانات والأعاصير المدارية، وامتداد الصحاري في الغرب.
* ارتفاع معدل التلوث الجوي بالمناطق الشرقية بسبب انبعاث الغازات وتلوث الاراضي الزراعية والمجاري المائية.
* مخلفات النهضة الاقتصادية المتمثلة في: الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية والتلوث الذي يعد أخطر تحد في الصين بفعل النشاط الصناعي المكثف، والذي يكفل البلاد خسارة تتراوح مابين 2 و3% من الناتج الداخلي الخام،والأمطار الحمضية التي تتسبب في خسارة أزيد من 13،3 مليار دولار سنويا.
المجالية * التباين الإقليمي الصارخ بين مناطق الشرقية والمناطق الداخلية والغربية، فالمناطق الشرقية تعتبر الأوفر حظا رغم أنها لاتمثل سوى 19% من مساحة البلاد لكنها تضم 59% من السكان وتقدم 58% من الانتاج الفلاحي و الصناعي و تستقطب 85% من الرساميل الاجنبية و 90% من التجارة الخارجية، لذلك فهي متطورة ومتقدمة بالمقابل تعاني الأقاليم الداخلية و الغربية من التأخر والفقر.

إعداد:ذ.الحسن الغلى

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!